المدير Admin
عدد الرسائل : 214 تاريخ التسجيل : 09/02/2009
| موضوع: تحقيق خاص عن ظاهرة فريدة الجمعة 13 فبراير - 4:09 | |
| مدينة الكوي البلنسية الاسبانية تقيم كل سنة معركة ودية بين الجيش العربي والجيش المسيحي( الاسباني )
في كل سنة تحتفل بعض مدن ما كان يطلق عليه في غابر الزمان( شرق الأندلس ) بمعركة ودية تجري بين العرب المسلمين وبين الاسبان المسيحيين, ولذلك أطلق على تلك المعركة السنوية تسمية (عرب ومسيحيون) وتهدف هذه الاحتفالات الضخمة التي تستمر في بعض المدن مثل مدينة ( الكوي ) القريبة من بلنسية عاصمة شرق الأندلس مدة أسبوع بأيامها ولياليها, حيث تغلق الشوارع, وتلبس الجيوش عدة الحرب وملابس الحرب الزاهية على غير عادتها , وتنقسم المدينة على نفسها, فقسم من سكانها هم جنود جيش العرب والقسم الآخر جنود جيش المسيحيين أو الاسبان, وبالطبع ان كلا افراد الجيشين هم من الاسبان او ابناء مقاطعة بلنسية ،وتخصص الأيام الأولى للمسيرات الضخمة التي تخترق شوارع المدينة, فتارة يستعرض الجيش المسيحي قواته, وتارة يستعرض الجيش الإسلامي قواته, حيث يلبس المحاربون ابهى الملابس, والتي قد تكلف الفرد الواحد أكثر من عشرة آلاف دولار تجري العادة ان يغيروها كل عام, ويستبدلونها بملابس جديدة, يجري تفصيلها على أيدي خياطين فنيين ماهرين يدخلون في تصميمها ما يشاءون من زركشة وألوان, في كثير من الحالات تجانب واقع الملابس العربية أيام وجود العرب في الأندلس, لكن دور الخياطة والمصممين في مدينة الكوي لا يهتمون كثيرا بما كان يلبس سكنة تلك الأرض القدماء, فهم يطلقون العنان لمخيلتهم, لإنتاج ابهى الملابس التي ستحظى بإعجاب سكان المدينة وضيوفها الذين اعتادوا حضور تلك الاحتفالات السنوية الجميلة, فكلما كانت الملابس جميلة ومتقنة كلما كان على الزبون أن يدفع أكثر , أما ملابس قادة الجيوش فان أثمانها باهظة للغاية وخصوصا قائد الجيش العربي الذي يطلقون علية تسمية ( الفيرس ) وهي من الوضوح بحيث يمكن فهمها على إنها مشتقة من الكلمة العربية ( الفارس ) .
لقد كان من الصعب جدا الحصول على مقعد في الصفوف الأمامية بساحة المدينة الرئيسية لكن بطاقتي الصحفية ساعدتني في ان تمنحني بلدية المدينة كرسيا خشبيا في تلك الساحة المكتظة بالحضور والسكارى والأجانب ، كما انه كان من المستحيل الحصول على غرفة شاغرة في أي فندق من فنادق المدينة مما دفعني إلى السكن في منزل عائلة صديقة .
في الحرب الودية التي تجري كل عام في شوارع مدينة الكوي, تختلط رائحة البارود بصليل السيوف وصوت حوافر الخيول , وعلى الرغم من ان البارود لم يكن موجودا أيام عرب الأندلس , فان سكان الكوي أضافوه للمعركة لكي يضفوا عليها المزيد من البهجة والضوضاء , وصوت الانفجارات , لكي يختلط الحاضر بالماضي الغابر , فالمدينة تحمل اسما عربيا , والقرى التي تحيط بها كذلك , حيث عّمر العرب تلك الأرض الطيبة , وسمو قراهم بأسماء عربية , فحافظ أبناء شرق الأندلس على تلك الأسماء حتى يومنا هذا , فالعربي الذي يقطع الطريق بالسيارة متجولا في منطقة شرق الأندلس ذات الحكم الذاتي في اسبانيا, أو إمارة بلنسية كما كانت تسمى أيام العرب واليوم أيضا, تبهره تلك اللوحات التي تملأ الطرق والتي تشير إلى مدن العرب العامرة في الماضي والعامرة في يومنا هذا : بني قاسم , بني كلاب , بني دورم , بني مامد (ومعناها بني محمد ) السيرة , المسافس , بني روس (ومعناها بنت العروس ) التي تشابه اختها المدينة التونسية التي تحمل نفس الاسم ، المآثره ( ومعناها المعصرة ) الخميسي , الاكواس ومعناها الاقواس والميناره ومعناها المناره حيث لازالت هذه القرية تحتفظ على سواحل البحر الابيض المتوسط ببرج مراقبة عربي اطلقوا عليه تسمية المنارة , واذا دخلت عاصمة شرق الاندلس , فانك تجد بها اهم أحيائها المسمى بالرصافة تيمنا برصافة بغداد ورصافة الشام , وكذلك تقع على اطراف المدينة منطقة البوفيرا ( البحيرة ) التي لا زالت في مكانها مشرقة بهية لكنها انحسرت بعيدا عن المدينة بعد ان كانت عند حدود مساكن بلنسية حيث منية(منزل) ابن ابي عامر ملتقى شعراء وادباء وفرسان شرق الأندلس والتي كانت واحدة من ممالك الطوائف ، وعشرات الأسماء الأخرى التي تركها العرب والبربر شاهدا أبديا على أنهم مروا من هناك في يوم من تلك الأيام المجيدة في التاريخ العربي , فعمروا وبنوا الحواضر والقرى والبساتين والسواقي , التي أبدع فيها القحطانيون العرب الذين قدموا من اليمن ,والذين شكلوا عماد جيش الفتوحات ، والذين يشكلون اليوم أجداد معظم القبائل العراقية : طي , شمر , الجبور , آل ازيرج , الأوس , الخزرج , البومحمد ، زبيد ، عزة ، بني لام، الدليم ، الضفير ، الجنابيين ، السعيد، العبيد ، السواعد ، كنده ، السودان ، الفتله ، واللهيب ، الخ , وانتشرت على أيديهم عادات وتقاليد , لا زالت إلى اليوم تشكل العمود الفقري لتاريخ شبه جزيرة ابريا التي تظم اسبانيا والبرتغال .
في وسط المدينة تبنى كل سنة قلعة عظيمة يتم في آخر يوم التنافس على احتلالها بين الجيشين الكبيرين , وعادة ما تكون بيد العرب فيحاول الاسبان طيلة النهار الأخير الاستيلاء عليها بحضور عشرات الآلاف من مواطني المدينة والزوار , وبطبيعة الحال , وكما انتهت تراجيديا التاريخ العربي في الأندلس تسقط القلعة بيد الجيش الاسباني ,في آخر الأمر , بعد الكثير من التهديدات وقصائد الهجاء والتنابز بالألقاب والفروسية ,وتفجير شحنات من البارود وتلك هي عادة الاحتفال لابد وان تنتهي بهزيمة العرب , كما حصل تاريخيا , وقيل لي بان الجيش العربي المشكل من سكان المدينة الاسبان , اعترض في بعض السنوات على هزيمته المستمرة , ولكن دون جدوى , وفي إحدى السنين القريبة لعبت الخمرة برؤوس قادة الجيش العربي وقرروا ان ينتصروا وان لا يسلموا القلعة احتجاجا على المصير المكتوب لهم مسرحيا في كل عام , وكان لهم ما أرادوا بتأييد من السكان الذين كانوا يحضرون الاحتفالات , وللعلم فان أغلبية سكان الكوي ينتمون للجيش العربي, ربما لبساطة اللباس العربي , ورخص ثمنه .
أهل الكوي الكرماء يحملونك في احتفالاتهم قرونا عديدة إلى الوراء , إذ يحولون مدينة كبرى إلى مسرح عظيم ممثليه هم الآلاف من سكان المدينة , جميع المصانع والمدارس تغلق أبوابها لمدة أسبوع من كل عام لتخليد ذكرى التاريخ المشترك , وقد صدرت الكوي عدواها للمدن الصغيرة المجاورة , وللعاصمة بلنسية , وكما علمت فان الكم الهائل من الملابس التي يستعملها فرسان الكوي في احتفالاتهم السنوية التي تستمر أسبوعا واحدا والتي كلفت ملايين الدولارات , يعاد بيعها إلى الراغبين في المدن المجاورة لان معظم فرسان الكوي لا يريدون ان يظهروا بنفس الملابس في كل عام خصوصا وان منظرهم وهم يستعرضون في شوارع المدينة ينم عن رغبة في إنهم يمثلون شيئا ما , وانهم يغيرون التاريخ ولو على مسرع مكشوف مساحته الجغرافية المدينة بأسرها والزمنية مجرد أسبوع واحد , وهذا ما يحتاجونه بالضبط , ان تراهم المدينة بأسرها .
وقد شقت المرأة طريقها إلى قلب الاحتفالات بعد ان كانت ممنوعة من المشاركة فيه وكان دخولها الاحتفالات قد زاد من بهجته وجماله خصوصا وان معظم النساء المشاركات يلبسن الأزياء العربية المبتكرة
ومدينة الكوي وسكانها الذين احتفظوا بهذا الإرث العربي واعتنوا به دائما متوهجا في قلوبهم تحولوا عن طريق الاحتفالات تلك إلى رمز سياحي اسباني وعالمي يضاف إلى مباهج بلاد شرق الأندلس العامرة بخيراتها ، والعامرة بأهلها والعامرة بتاريخها وتقاليدها ( الاوروشرقية ) فلولا العامل الشرقي العربي لما كان لاحتفالات الكوي أي معنى ، وقد نجح شعب مدينة الكوي في ان يزاوج بين ارث الماضي وبين الحاضر.
في زمن الأندلس وكما يعلم الجميع بقيت الكنائس في أماكنها وبقيت المعابد اليهودية في أماكنها لم يمسها مسلم بسوء ولم يمنع أي إنسان من ممارسة شعائره الدينية ، ومدينة الكوي قررت ومنذ عقود ان يكون تاريخها ومنطقها واحتفالاتها التسامح ولا شيء غير التسامح واستخدام التاريخ وسيلة لتأكيد مباهج الحياة وللتذكير بان الجميع كانوا هنا يعيشون بمودة والفة . | |
|